من حسن حظى أنى أنتمى لعيلة كلها مواهب...يعنى كل واحد فيهم متفرّد بموهبة أو منحة من ربنا....أينعم هى منحة تنقط وممكن تسبب جلطة للى مش يستحملها....لكن أهى حاجة كويسة وبتهوّن قرف الدنيا عليا والسلام
عندى بقا ماما...دى أعجوبة زمانها...سبحان الله فى خلقه...رغم أنها موظفة لها أربعين سنة ووسط ناس يخللوا الحجر ينطق ويخلوا الخام يتلحلح....المدرّسين وما أدراكم ما المدرّسين...الا انها رغم كل دة....فضلت بفطرتها اللى خلقها ربنا بيها زى ما هى....ولولا ربنا وعدها بعيال زينا كدة...على رأى جدى الله يرحمه....بلوتين من بلاوى الزمن... كانت متعرفش وصلت لحد فين فى تعاملاتها مع الناس
يعنى يكفى أنى أقول أن ماما لحد دلوقتى مبتعرفش تشترى لنفسها أى حاجة من السوق....سواء هدوم أو أقمشة أو أحذية أو دهب...لاء....لازم أنا اللى أشترى لها اللى يلزمها وعلى زوقى كمان فضلت طول عمرها زى ما هى....على فطرتها ولا بتعرف فى الدنيا أى حاجة ولا حتى قلبها بيعرف يشيل نقطة سواد واحدة لأى مخلوق واللى يضحك فى وشها يبقا حبيبها
وماما كانت متدلعة جدا ومرفهة جدا جدا فى بيت جدى كانت درة التاج فى عيلتها وبالنسبة لأخواتها ومتخرجش ولا تروح اى مكان الا بصحبة جدى او جدتى....يعنى حاجة كدة مكانتش موجودة زمان بس لقيتها عند ماما
دى مقدمة واستهلال لابد منه للموقف اللى جاى
ماما أول ما اشتغلت من أربعين سنة استلمت شغلها فى مدينة فوة....اللى وللصدف أنا ماسكاها دلوقتى برضة....يعنى بتسافر كل يوم وكان جدى بيوصلها كل يوم ويجيبها من كتر خوفه عليها....وكانت فوة من أربعين سنة مفيهاش اى حد متعلم....وكانت كلها قرى ونجوع زى مجاهل أفريقيا كدة
واحدة من العاملين فى المكان اللى ماما اتوظفت فيه...اتوفى جوزها.... طبعا وهى ست قروية من فقراء البلدة متعرفش الألف من نبوت الغفير أو من ديل الجاموسة زيها زى كل الناس هناك وقتها...عكس دلوقتى تماماااا
المهم اللى حصل أن ماما قررت قرار خطير من أخطر ما يكون... أنها و لأول مرة وحصريا...تروح مع زميلاتها تقدم واجب العزاء فى الفقيد جوز الست العاملة اللى هناك...كان سنها فى الوقت دة19سنة.... وبطبيعةالحال الوسط القروى يعتمد على الأمثلة والكلام الموزون والتعبيرات بالكناية والتورية لكن بالفطرة أو كما نسميه...فلكولور...وكل مناسبة ولها مقال...يعنى مينفعش أروح عزاء مثلا وأقول مساء الخير....خير اية اللى بتقولوا عليه فى يوم حزين زي دة؟؟دى بتبقا معتقدات وفلكولور زيه زي حياتهم بالضبط
يعنى وانتوا بتقروا الحوار اللى جاى ركزوا جدا فى كل كلمة وجملة بتتقال
ماما بما أنها أول مرة فى حياتها تروح تقدم واجب عزاء لمخلوق على وجة الأرض....وبكل حسن نية وبساطة سألت زميلاتها
ماما : هم يا سعاد بيقولوا اية فى المواقف اللى زى دى؟؟ يعنى أول ما أدخل العزا أو أعزى أم محمود أقول لها اية؟؟
سعاد : بصى ...انتى أول ما تدخلى على الناس تقولى مساء الخير
ماما : بس؟؟...مساء الخير بس؟؟
سعاد : لاء استنى بس...أول ما تشوفى أم محمود قولي لها....شعبان ورجب ونهار سعيد يختى وانشالله ماحد رجع...وربنا مبيسيبش حد تتعوض فى الباقيين
ماما : بس كدة؟؟...طيب كويس...طيب أحفظها قبل ما أنساها
وسعاد وباقى زميلاتها اترسم على وشهم ضحكة خبيثة من توقعاتهم اللى فرضوها على العملة السودة دى
أول ما وصلوا بيت المتوفى...صدّروا ماما فى الواجهة....والأربعة وقفوا عالسلم برة منتظرين المفاجأة....وماما اول ما دخلت رمت القنبلة الأولى
ماما : مساء الخير
الناس الحاضرة : وهم مبرقين عيونهم فى وشها...خير؟؟...يادى الفضيحة
ماما : شافت أم محمود صاحبة الليلة قاعدة وبتصوت وحالتها بالبلا على سبعها وجملها اللى راح....مساء الخير يا أم محمود
أم محمود : ترقع ستين صوت.....خير؟؟ واللى احنا فيه دة خير؟؟؟
ماما : متجاهلة التعليق لأنها أصلا مفهمتش المغزى......معلش يختى.....وشعبان ورجب ونهار سعيد وانشالله ما حد رجع وربنا مبيسيبش حد وتتعوض فى الباقيين ان شاء الله
أم محمود : وبكل ما أوتيت من قوة فى الصوت..... بتقولى ااااة؟؟؟....أة يا ولاد الكلب يا صيّع يا رمم
ومرة واحدة هاتك بايديها وكفوفها الاتنين على ضهر ماما ضرب بكل ما أوتيت من قوة وغلّ
ومرة واحدة أعلنت قيام الحرب الضروس ضد ماما وزميلاتها اللى واقفين عالسلم برة مسخسخين من الضحك على ماما....واتجهت جحافل المعزين وراهم رافعين أسنّة الشباشب وبيجروا وراهم ومش طايلينهم نظرا لخفة حركة ماما وزميلاتها وقتها
ولوكانوا وقعوا فى ايديهم كانوا لاقوا نفس جزاء شجر الدر وكانوا حيبقوا اتنين فى التاريخ ماتوا نفس الموتة....شجر الــــدر...ومامتــــى
بعد ما ابتعدوا عن مرمى نيران العدو....قعدت ماما تسأل زميلاتها بكل قوة والحاح عن السبب اللى خلا الناس دول يعملوا كدة وكانوا حيصوروا فيهم قتيل بالشكل دة
ماما مقدرتش تاخد كلمة مفيدة من زميلاتها...لسبب واحد....مكانوش قادرين يجمعوا كلمة واحدة من كتر الضحك على اللى حصللهم والموقف اللى وقعّوا ماما فيه
فين وفيــــــــن....رجعت البيت وسألت جدتى.... جدتى فضلت ساكتة نص ساعة تقريبا على حد قول ماما....ولما نطقت قالت لها.....انتى روحتى تقوللى للست بركة ان جوزك انكشح من هنا واكسرى وراه قلّة وزير وعقبال الباقيين عندك؟؟؟؟؟؟؟وعاوزاها تعمللك اية؟؟؟ تعمللك فرح؟؟؟؟
ومن يومها...كل ما حد يموت او ماما تجهز نفسها للذهاب الى عزاء....تفتكر الموقف دة رغم مرور اربعين سنة عليه....وتفضل طول ما هى بتلبس الأسود واقعة من الضحك....وتعيد المشهد فى خيالها
وكل مرة نسمعه منها منبطلش ضحك كل ما نتخيل موقف ماما وهى بتجرى رهوان وجحافل النسوان المتشحة بالسواد بتجرى وراها هى وزميلاتها وعاوزة تقتلهم ضربا بالمراكيب
ولحد اللحظة دى ماما مش ناسية قوة ايد أم محمود على ضهرها....كانت أول مرة فى حياة ماما ان حد يمد ايده عليها وبالقوة الفظيعة دى
من يومها.....ماما مستحيل تروح تعزى فى ميت
مش علشان حاجة...لاااااء....علشان متفطسش من الضحك من ذكرى الموقف
مراحتش تعزى الا لما بقت سيدة مسئولة وفى عصمة راجل....اللى هو بابا.... ولها حياتها الاجتماعية الخاصة الجديدة...واًصبح الضحك مقتصرا فقط لحد اللحظة اللى بتلبس فيها الأسود قبل ما تنزل من البيت...تخلص جرعة الضحك....وتنزل تروح تعزى
واتعلمت أول ما تدخل عزاء....تقول السلام عليكم والبقاء لله....وشدوا حيلكم
أأأأأأأأأأة
العمر مش بعزقة والصحة معادتش تستحمل كفوف تانية
ومنجيلكوش فى حاجة وحشة
والعوافشى